Sunday, May 29, 2011

الأخلاق والحرية


فيلم لبناني باسم "هلب" يثير مشكلة هذه الأيام في لبنان. الفيلم مصنف للكبار فقط وفيه تظهر ممثلة عارية. الممثلة المشار إليها تنتمي لعائلة سياسية. تم منع عرض الفيلم بعد التصريح بعرضه. الأسباب الحقيقية التي دعت لتغيير موقف الرقابة من الفيلم غير معروفة. البعض يرى أن قرار المنع جاء بعد تعيين رقيب جديد له رؤية تختلف عن سابقه. البعض الآخر يرى أن منع الفيلم إنما حدث لأسباب سياسية غير واضحة. ربما تم منع الفيلم لحماية السمعة السياسية لعائلة الممثلة بطلة المشاهد موضوع الخلاف، أو ربما لتركيز الجدل ولفت الانتباه للعائلة نفسها بغرض الإضرار بها بعد أن وصل الأمر إلى ساحات المحاكم وصفحات الجرائد.


متابعة الجدل الذي أثاره منع الفيلم تبين الاختلاط والتداخل الشديد بين قضايا الحرية والفن والسياسة. كثير من المعلقين الذين أدلوا برأيهم في القضية لم يترددوا في ربط المشاهد المثيرة للجدل بالانتماء السياسي لعائلة الممثلة. الاتهامات بالإباحية والتفريط وإفساد الشباب والانسحاق أمام الحضارة الغربية والاستسلام للاستعمار جاوزت نطاق الفيلم لتطال الموقف السياسي لتكتل سياسي بكامله. أغلب المتدخلين أكدوا على الصلة القوية بين قضايا الفن والسياسة. كثير منهم لم يقبل بمبدأ المسئولية الفردية واستنتج أشياء تتعلق بكتلة سياسية كاملة بسبب الصلة العائلية بين أحد أعضاء هذه الكتلة وبطلة الفيلم موضوع الخلاف.

المواقف الذي عبر عنها المتجادلون تشير إلى نمط القيم والمبادئ الأخلاقية السائدة في مجتمعاتنا العربية. أتفهم كل الحجج المؤيدة للحرية الفردية وحرية التعبير. أتفهم أيضا كل الحجج المؤيدة للحفاظ على القيم الثقافية والأخلاقية المميزة لشعوبنا. كثير مما يمكن للتيارات التقدمية والتحررية أن تقدمه لشعوبنا يضيع في زحمة الجدل حول المواقف التي يتبناها أنصار هذه التيارات بشأن قضايا تتعلق بالحريات الفردية وحرية التعبير. الوقوف عند شجرة الحريات الفردية وحرية التعبير في أكثر صورها تطرفا لا يسمح لمجتمعاتنا بالدخول إلى حدائق الحرية والتقدم التي تعد بها التيارات التقدمية والتحررية. القيم المحافظة السائدة في مجتمعاتنا لا تسمح لها بتجاوز هذه الشجرة التي يراها الناس في بلادنا مركزا للهوية الثقافة والخصوصية الحضارية. المحافظون والتحرريون في بلادنا يختزلون قضايا الحرية والتقدم في جسد عار يظهر في فيلم لثوان معدودة، أو في ملابس كاشفة ترتديها بعض النساء.

ليس من المتوقع للتيارات المحافظة في بلادنا التخلي عن هذا الاختزال الفج فمصالحها تتحقق من ورائه. تخويف المجتمع وإثارة فزعه من الانحلال والتهتك هو الرسالة الأكثر فعالية للمحافظين لتعزيز مواقعهم في المجتمع. باختصار، ليس لدى المحافظين مشكلة إنما المشكلة كلها تقع في حجر التقدميين والتحرريين وعليهم التعامل بفعالية وإيجابية مع هذا التحدي. الإفراط في التركيز على حرية الجسد يقف حائلا بين تيارات التقدم والتحرر والوصول إلى قطاعات أوسع من المجتمع. على أنصار هذه التيارات ترتيب أولوياتهم بشكل يسمح لهم بتجاوز هذا النوع من الجدل حتى يسهلوا على مجتمعاتهم وعلى أنفسهم الدخول للعالم الرحب للحرية والتقدم. على أنصار التحرر والتقدم التواصل مع مجمعاتهم على جسر دعائمه القيم المعتدلة حتى يستطيعوا توصيله إلى عالم الحرية الرحب. قدر من الوعي الذاتي والجماعي، ولا أقول الرقابة الذاتية والجماعية، يكفي أنصار التقدم والحرية لتحقيق المعادلة.

المصدر: عمود "نظرة" ـ جريدة نهضة مصر ـ القاهرة
التاريخ: 01 مارس 

No comments: